كفّارة المجلس

تعدّ المجالس التي يجلسها المسلم دون ذكر لله -تعالى- من أسباب الندم والحسرة يوم القيامة، حتى وإن خلت من الحرام، أو لم يرتكب فيها أيّ أمرٍ من الأمور المحرمة في المجالس، كالغيبة، والنميمة، وغيرهما، فقد قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (ما من قومٍ يقومونَ من مجلسٍ لا يذكرونَ اللهَ فيهِ إلا قامُوا عن مثلِ جيفةِ حمارٍ، وكان لهم حسرةٌ)،[١] كما أنَّ بعض المجالس قد يقع أصحابها في المحرمات دون قصد، فيخوضوا في الباطل، والفحش في القول، وغيرها من الأمور التي نهى عنها الله -عزّ وجلّ- ورسوله الكريم -عليه الصلاة والسلام-، لذلك شُرع دعاء كفارة المجلس،[٢] وفي هذا المقال ذكر دعاء كفارة المجلس وفضله، وأبرز آداب المجلس التي يجب على المسلم التحلّي بها ابتغاء مرضاة الله تعالى، والتزاماً بأوامره.

دعاء فضّ المجلس

يُسنُّ لكل مسلم عند إنهاء المجلس وفضّه أن يدعو بدعاء كفّارة المجلس، وهذا الدعاء هو:



(سُبحانَكَ اللَّهمَّ وبحمدِكَ، أشهدُ أن لا إلَهَ إلَّا أنتَ أستغفرُكَ وأتوبُ إليكَ).[رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:3433، حديث صحيح.]



فقد ورد عن عائشة أمّ المؤمنين -رضي الله عنها- أنّها قالت: (ما جلَس رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّم مجلِسًا، ولا تلا قُرْآنًا، ولا صلَّى صلاةً، إلَّا ختَم ذلكَ بكلِماتٍ، قالَتْ: فقُلْتُ: يا رسولَ اللهِ، أراك ما تجلِسُ مجلِسًا ولا تتلو قُرْآنًا، ولا تُصلِّي صلاةً، إلَّا ختَمْتَ بهؤلاءِ الكلِماتِ، قال: نَعم، مَن قال خيرًا خُتِمَ له طابَعٌ على ذلكَ الخيرِ، ومَن قال شرًّا، كُنَّ له كفَّارةً: سُبحانَكَ وبحمدِكَ، لا إلهَ إلَّا أنتَ، أستغفِرُكَ وأتوبُ إليكَ)،[٣] فإن كان مجلس المسلم حسناً؛ فإنًّ الله -سبحانه وتعالى- سيزيد بإحسانه.


وقد ورد عن ابن عمر أنّه قال: قَلَّما كان رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يقومُ من مجلِسٍ حتى يدعُوَ بهؤلاءِ الدَّعَواتِ لِأَصحابِهِ:



(اللهمَّ اقسِمْ لنا مِنْ خشيَتِكَ ما تحولُ بِهِ بينَنَا وبينَ معاصيكَ، ومِنْ طاعَتِكَ ما تُبَلِّغُنَا بِهِ جنتَكَ، ومِنَ اليقينِ ما تُهَوِّنُ بِهِ علَيْنَا مصائِبَ الدُّنيا، اللهمَّ متِّعْنَا بأسماعِنا، وأبصارِنا، وقوَّتِنا ما أحْيَيْتَنا، واجعلْهُ الوارِثَ مِنَّا، واجعَلْ ثَأْرَنا عَلَى مَنْ ظلَمَنا ، وانصرْنا عَلَى مَنْ عادَانا، ولا تَجْعَلِ مُصِيبَتَنا في دينِنِا، ولَا تَجْعَلْ الدنيا أكبرَ هَمِّنَا، ولَا مَبْلَغَ عِلْمِنا، ولَا تُسَلِّطْ عَلَيْنا مَنْ لَا يرْحَمُنا).[رواه الألباني، في الكلم الطيب، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم:226، حسن.]



لذلك يُستحب للمسلم أن يدعو بهن في ختام كلّ مجلسٍ تأسياً برسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، كما ويُستحب في نهاية المجلس أن يُصلي المسلم على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- حتى لا يكون هذا المجلس حسرةً وندامة عليه يوم القيامة كما أخبر بذلك رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلّم-.


آداب المجالس

وضع الإسلام بعض الآداب التي يجب أن يمارسها المسلم في المجالس، فلكل شيء زينة، وزينة المجالس آدابها، وفيما يأتي بعض هذه الآداب:[٤]

  • الاستئذان عند الدخول: حيث قال رسول الله -صلّى الله عليه وآله وسلّم-: (الاستئذان ثلاث، فإن أذن لك وإلا فارجع).[٥]
  • إلقاء السلام على أهل المجلس: فقد قال -صلّى الله عليه وآله وسلّم-: (إذا انْتَهَى أحدُكُمْ إلى مَجْلِسٍ فَلْيُسَلِّمْ، فإذا أرادَ أنْ يَقُومَ فَلْيُسَلِّمْ ، فَليسَتِ الأُولَى بِأَحقَّ مِنَ الآخرةِ).[٦]
  • الجلوس حيث ينتهي بالمسلم المجلس: فلا يجوز أن يطلب القائم من القاعد أن يُجلِسه مكانه، حيث إنّه أحقّ به، لقول النبيّ -صلّى الله عليه وآله وسلّم-: (لا يُقِيمَنَّ أحَدُكُمُ الرَّجُلَ مِن مَجْلِسِهِ، ثُمَّ يَجْلِسُ فِيهِ).[٧]
  • حفظ أسرار المجلس: لحديث رسول الله -صلّى الله عليه وآله وسلّم-: (المَجَالسُ بالأمانةِ، إلا ثلاثةُ مجالسَ: سفكُ دمٍ حرامٍ، أو فرجٌ حرامٌ، أو اقتطاعُ مالٍ بغيرِ حقٍّ).[٨]
  • التفسّح في المجالس وتوسيعها: فقد قال الله -تعالى- في محكم كتابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّـهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}.[٩]
  • المشاركة في الحديث مع عدم التفرد به: فقد ورد عن الحسن - رضي الله عنه- أنّه قال: "حدثوا الناس ما أقبلوا عليكم بوجوههم، فإذا التفتوا فاعلموا أن لهم حاجات".
  • عدم الجلوس بين اثنين إلّا بإذنهما: حيث قال رسول الله -صلّى الله عليه وآله وسلّم-: (لا يَحِلُّ لرجلٍ أن يُفَرِّقَ بين اثنينِ إلا بإذنِهِما).[١٠]
  • ختم المجلس بدعاء كفارة المجلس، والصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: فقد قال -صلّى الله عليه وآله وسلّم-: (ما جلسَ قوْمٌ مجلسًا لم يذكُرُوا اللهَ تعالى فِيهِ، ولَمْ يُصلُّوا علَى نَبِيِّهِمْ، إلَّا كانَ علَيْهِمْ تِرَةٌ، فإِنْ شاءَ عذَّبَهم، وإِنْ شاءَ غفَرَ لَهُمْ).[١١]


المراجع

  1. رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:4855، حديث صحيح.
  2. "دعاء كفارة المجلس"، طريق الإسلام، 8/5/2019، اطّلع عليه بتاريخ 13/3/2021.
  3. رواه الوادعي، في الصحيح المسند، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1619، صحيح.
  4. عصام بن محمد الشريف (22/8/2017)، "آداب المجالس في الإسلام"، الألوكة الشرعية، اطّلع عليه بتاريخ 13/3/2021.
  5. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:2153، صحيح.
  6. رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:183، صحيح.
  7. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم:2177، صحيح.
  8. رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم:9155، حسن.
  9. سورة المجادلة، آية:11
  10. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عبدالله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:7656، صحيح.
  11. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبو سعيد الخدري وأبو هريرة، الصفحة أو الرقم:5607، صحيح.