دعاء الريح والغبار
- (اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا، وَخَيْرَ ما فِيهَا، وَخَيْرَ ما أُرْسِلَتْ به، وَأَعُوذُ بكَ مِن شَرِّهَا، وَشَرِّ ما فِيهَا، وَشَرِّ ما أُرْسِلَتْ به). [أخرجه مسلم]
- (اللَّهمَّ لَقْحًا لا عقيمًا). [أخرجه ابن حبّان]
وقد جاء الدّعاء الأول في سياق ما ذكرته عائشة -رضي الله عنها- من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا عصفت الرّيح، حيث كان النبي الكريم يستذكر ما كان من أمر قوم عاد كلّما هبّت الرّيح.
تقول السيدة عائشة -رضي الله عنها-: (كانَ النبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- إذَا عَصَفَتِ الرِّيحُ، قالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا، وَخَيْرَ ما فِيهَا، وَخَيْرَ ما أُرْسِلَتْ به، وَأَعُوذُ بكَ مِن شَرِّهَا، وَشَرِّ ما فِيهَا، وَشَرِّ ما أُرْسِلَتْ به، قالَتْ: وإذَا تَخَيَّلَتِ السَّمَاءُ، تَغَيَّرَ لَوْنُهُ، وَخَرَجَ وَدَخَلَ، وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ، فَإِذَا مَطَرَتْ، سُرِّيَ عنْه، فَعَرَفْتُ ذلكَ في وَجْهِهِ، قالَتْ عَائِشَةُ: فَسَأَلْتُهُ، فَقالَ: لَعَلَّهُ، يا عَائِشَةُ كما قالَ قَوْمُ عَادٍ: (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالوا هذا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا)).[١][٢]
وفي حديث آخر تقول عائشة -رضي الله عنها: (وكانَ إذَا رَأَى غَيْمًا أوْ رِيحًا عُرِفَ في وجْهِهِ، قالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّ النَّاسَ إذَا رَأَوْا الغَيْمَ فَرِحُوا رَجَاءَ أنْ يَكونَ فيه المَطَرُ، وأَرَاكَ إذَا رَأَيْتَهُ عُرِفَ في وجْهِكَ الكَرَاهيةُ؟! فَقالَ: يا عَائِشَةُ، ما يُؤْمِنِّي أنْ يَكونَ فيه عَذَابٌ؟ عُذِّبَ قَوْمٌ بالرِّيحِ، وقدْ رَأَى قَوْمٌ العَذَابَ، فَقالوا: هذا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا).[٣]
أمّا الدّعاء الآخر: (اللَّهمَّ لَقْحًا لا عقيمًا)؛ فهو استبشار ورجاء أنْ يكون في هذه الرّياح الخير؛ فتلّقّح الأشجار وتأتي بالثّمار، حيث يقول -عزّ وجلّ-: (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ ...)،[٤] يقول ابن كثير: "أَيْ تُلَقِّحُ السَّحَابَ فَتُدِرُّ ماء وتلقح الشجر، فتفتح عن أوراقها وأكمامها، وذكرها بِصِيغَةِ الْجَمْعِ لِيَكُونَ مِنْهَا الْإِنْتَاجُ بِخِلَافِ الرِّيحِ الْعَقِيمِ"[٥]
هدي النبي إذا هبّت الريح
أوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا هبّت الرّيح وعصفت أنْ نسأل الله خيرها، ونستيعذ به -سبحانه- من شرّها؛[٦] ففي الحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (الرِّيحُ مِن رَوحِ اللهِ تَعالَى، تَأتي بالرَّحمةِ، وتَأتي بالعَذابِ؛ فلا تَسُبُّوها، وسَلُوا اللهَ خَيرَها، واستَعيذوا باللهِ مِن شَرِّها).[٧]
وهذا هو حال الرّيح؛ فقد تأتي بالنّسائم الطّيبة وقت الحرّ، وقد تأتي بالمطر وقت الجدْب والقحط، وبهذا تكون رياح خير وبركة؛[٦] وصدق الله إذ يقول: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)،[٨] وهو القائل -سبحانه-: (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ).[٤]
وقد تحمل الرّيح بين يديها العذاب والسّخط؛ فتكسّر الأشجار وتفرّق السّحاب، ويحلّ بها الخراب والسّوء، قال -تعالى-: (أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَىٰ فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِّنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ۙ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا).[٩]
وقد كانت الرّيح أحد مظاهر السّخط والعذاب التي حلّت بقوم عاد،[١٠] ووصف المولى -سبحانه- ذلك بقوله: (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا ۚ بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ ۖ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ* تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَىٰ إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ).[١١]
المراجع
- ↑ سورة الأحقاف، آية:24
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة، الصفحة أو الرقم:899 ، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة، الصفحة أو الرقم:4828 ، صحيح.
- ^ أ ب سورة الحجر، آية:22
- ↑ محمد الصابوني (1981)، مختصر تفسير ابن كثير (الطبعة 7)، بيروت:دار القرآن الكريم، صفحة 310، جزء 2.
- ^ أ ب مجدي الأحمد، حصن المسلم من أذكار الكتاب والسنة، صفحة 254. بتصرّف.
- ↑ رواه الحاكم، في المستدرك على الصحيحين، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:7978 ، صحيح الإسناد على شرط الشيخين.
- ↑ سورة الروم، آية:46
- ↑ سورة الإسراء، آية:69
- ↑ مكي بن أبي طالب (2008)، الهداية الى بلوغ النهاية (الطبعة 1)، الشارقة:كلية الشريعة والدراسات الإسلامية جامعة الشارقة، صفحة 6857، جزء 11. بتصرّف.
- ↑ سورة الأحقاف، آية:24-25