جاءت كثيرٌ من نصوص الشرع حاثّةً على الذكر ومرغّبةً فيه، وبيّنت فضله، ومن ذلك قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّـهَ ذِكْرًا كَثِيرًا* وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)،[١] ومن الأذكار ما كان عامًّا، ومنها ما شُرع لأحوالٍ مخصوصةٍ كذكر السفر والرجوع منه، وتاليًا بيان ما ورد عن النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- من ذكرٍ عند خروجه إلى سفرٍ وعودته منه، وتوضيح معناه.


ذكر الرجوع من السفر

الذكر الأول وشرحه

روى عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- أنّه: "كانَ إذَا اسْتَوَى علَى بَعِيرِهِ خَارِجًا إلى سَفَرٍ، كَبَّرَ ثَلَاثًا، ثُمَّ قالَ: سُبْحَانَ الذي سَخَّرَ لَنَا هذا، وَما كُنَّا له مُقْرِنِينَ، وإنَّا إلى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ، اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ في سَفَرِنَا هذا البِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنَ العَمَلِ ما تَرْضَى، اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هذا، وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ في السَّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ في الأهْلِ، اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بكَ مِن وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ المَنْظَرِ، وَسُوءِ المُنْقَلَبِ في المَالِ وَالأهْلِ، وإذَا رَجَعَ قالَهُنَّ".[٢]


يفيد هذا الذكر أنّ النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- كان إذا استقرّ راكبًا على دابّته؛ للسفر، يقول الله أكبر ثلاث مرّاتٍ، ثمّ يسبّح الله الذي سخّر له الدّابة التي يسافر عليها وقد جعلها الله تعالى منقادةً له، ويذكر -عليه الصّلاة والسّلام- أنّه لولا تسخير الله تعالى هذه الدواب للناس، لما أطاقوا ركوبها واستعمالها؛ وهو المقصود بقوله "وما كنا له مقرنين"، كما يذكر النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- أثناء استعداده لسفر الدنيا، سفره وسفر كلّ الخلق إلى الآخرة عند انتهاء الأجل ولقاء الله تعالى؛ وهو معنى "وإنّا إلى ربّنا لمنقلبون"، ثم يتوجّه بالدعاء لله تعالى بأن يرزقه في سفره البرّ؛ أي عمل الخير، والتقوى؛ أي اجتناب كلّ شر، وأن يوفقه إلى ما يرضاه -سبحانه وتعالى من الأعمال، ثمّ يدعو الله تعالى أن يهوّن عليه طريق السفر وييسره له وتقريب مسافته، ثمّ يذكر الله تعالى بأنّه صاحبه في سفره؛ يصحبه فيه يعينه وييسره له وأنه -سبحانه وتعالى- يحوط أهله ويحفظهم في غيبته، ثمّ يختم دعاء السفر بالاستعاذة بالله من ممّا قد يصيب الإنسان في سفره من وعثاء السفر؛ أي مشقّته وشدّته، وكآبة المنظر أي تغير الوجه وكأنّه مرض أو تغيّر النفس بانكسارها بسبب همٍّ أو حزن، والاستعاذة من سوء المنقلب؛ أي أن يعود إلى أهله فيجد أنّ سوءًا أو مكروهًا أصابهم.[٣][٤][٥]


الذكر الثاني وشرحه

كما وردت روايةٌ أخرى عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنّ النبيّ عليه الصّلاة والسّلام: "كانَ إذَا قَفَلَ مِن غَزْوٍ أوْ حَجٍّ أوْ عُمْرَةٍ، يُكَبِّرُ علَى كُلِّ شَرَفٍ مِنَ الأرْضِ ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ، ثُمَّ يقولُ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ له، له المُلْكُ وله الحَمْدُ، وهو علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ، آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، صَدَقَ اللَّهُ وعْدَهُ، ونَصَرَ عَبْدَهُ، وهَزَمَ الأحْزَابَ وحْدَهُ".[٦]


كان النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- كان إذا رجع من غزوةٍ أو حجٍّ أو عمرة يقول هذا الدعاء، وهذا الدعاء مشروعٌ في كلّ سفر طاعةٍ، ومعناه أنّه -عليه الصّلاة والسّلام- عند عودته من السفر كان يكبّر الله ثلاث مرّاتٍ إذا مرّ على مكانٍ مرتفعٍ من الأرض، ويقول إله إلا الله وحده لا شريك له؛ أي شهادة أن لا مستحقّ للعبادة إلا الله تعالى، وله سبحانه الملك؛ أي له السلطان الذي لا يُنازعه عليه أحدٌ، وله الحمد؛ أي أنّه وحده المستحقّ للحمد والشكر دون سواه، وهو قديرٌ لا يعجزه شيءٌ في الأرض ولا في السماء، ثمّ يقول -عليه الصّلاة والسّلام- آيبون؛ أي راجعون من سفرنا سالمين، تائبون من كلّ ذنبٍ ومعصية، عابدون ساجدون؛ هو من استذكار النبيّ الدائم لعبوديّته لله، ثمّ يثني على الله تعالى بصفات الكمال ويشكر فضله ونعمه بقوله لربنا حامدون، ويختم النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- هذا الذكر بما كان من الله تعالى من نِعمٍ ومَنٍّ من صدقه بالوعد؛ في إظهار الدين وإعلائه، ونصره لعبده وهو النبيّ محمدّ عليه الصّلاة والسّلام، وهزيمته -سبحانه وتعالى- وحده للأحزاب الذين تحزّبوا وتحالفوا ضدّ المسلمين من غير قتالٍ من المسلمين يوم غزوة الخندق.[٥]


المراجع

  1. سورة الأحزاب، آية:41-42
  2. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:1342، صحيح.
  3. الموسوعة الحديثية، "شرح حديث كانَ إذَا اسْتَوَى علَى بَعِيرِهِ خَارِجًا إلى سَفَرٍ"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 16/09/2021. بتصرّف.
  4. "هل ثمة دعاء يحفظ المسافر حتى يرجع إلى أهله؟"، الإسلام سؤال وجواب، 29/05/2006، اطّلع عليه بتاريخ 16/09/2021. بتصرّف.
  5. ^ أ ب الموسوعة الحديثية، "شرح حديث كانَ إذَا قَفَلَ مِنَ الغَزْوِ"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 16/09/2021. بتصرّف.
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:1797، صحيح.