كيف يطمئن القلب بذكر الله؟

يطمئن القلب بذكر الله بسكون النفس، وانشراح الصدر؛ ثقة بالله -عزّ وجلّ- وإيماناً به، وأحوال ذكر الله له أشكالاً متعدّدة، ولعلّ من أهمّها ما يأتي:

  • ذكر باللسان، ويكون بالثناء عليه بالتسبيح والتحميد وسائر أنواع الأذكار.
  • تلاوة القرآن والتّدبر بما في الآيات من دلالات عظيمة.
  • التّفكر بآلاء الله وأسرار الكون وما فيها من عظيم خلق الله.
  • ذكر بالقلب من خلال استشعار مراقبته ومعيّته وإحاطته بعباده.


يقول المولى -سبحانه-: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)،[١] وطمأنينة القلب حاجة كلّ أحد، ومن هنا كان أرشد الله -عزّ وجلّ- عباده إلى أنّ ذكر الله هو السبيل لتحقيق الطمأنينة، وفي هذا يقول الشعراوي: "الاطمئنان مُستْوعِب لكل القلوب؛ فكل إنسان له زاوية يضطرب فيها قلبه؛ وما أنْ يذكر الله حتى يجِدَ الاطمئنان ويتثبتَ قلبه".


وسائر أشكال الذّكر تورث في قلب العبد شعوراً بالسّكينة والاطمئنان، وهذا من شأنه أنْ:

  • يُعمّق في نفس المسلم الرضا عن أفعال الله؛ فيصبر على الضّراء، ويشكر في السّراء، ويطمئنّ إيمانه في قلبه.
  • ذكر الله يُحصّن قلب العبد من ظنون الشّك والشّرك، فتسكن نفسه ويطمئن فكره.
  • يُرسّخ في نفس الذّاكر عظمة الخالق -سبحانه-.
  • يزيد في قلب المسلم حلاوة الطاعة؛ فيستوحش من المعصية وينفر من الذّنب.


أقوال المفسرين في كيفية طمأنينة القلب بذكر الله

يؤكد ابن القيّم أنّه لا يمكن تحقيق هذه الطمأنينة وسكون النفس إلا بالله وبذكره، وذكره هو كلامه الذي أنزله على نبيّه -صلى الله عليه وسلم-، ولو كان باطلاً لم يزد القلوب إلا وحشة وقلقاً، ولكنّه كان صدقاً وعدلاً؛ تقرّ به قلوب الموحدين، وتطمئن إليه نفوس المؤمنين؛ فتسري هذه الطمأنينة في قوى المؤمن الظاهرة والباطنة، وتجذب روحه إلى لذّة القُرب من الله -تعالى-.[٢]


ويشير أبو المظفر السّمعاني في تفسيره إلى أنّ طمأنينة القلب بذكر الله تكون بزوال الشّك واستقرار اليقين، وأشار إلى أنّه لا تعارض بين قوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ...)،[٣] وقوله: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)، فالوجَل يكون بِذكر العقاب والوعيد، والطمأنينة تكون بذكر الوعد والثواب، فوجَلها متعلّق بذكر عدل الله وشدّة الحساب، والطمأنينة متعلّقة بذكر كرمه وفضله -سبحانه-.[٤]


ويعلّق ابن عاشور عند هذه الآية بذكر أنّ الاطمئنان يكون بالسّكون ونفي الاضطراب عن القلب، وذكر الله -تعالى- يحتمل أنْ يراد به خشية الله بالوقوف عند أمره ونهيه واستشعار مراقبته، كما يحتمل أنْ يراد به القرآن الكريم؛ حيث قال -سبحانه-: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ)،[٥] وهذا الاحتمال مناسب لسياق الآيات؛ فالآية التي قبلها هي: (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ ۗ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ).[٦][٧]


أما القشيري فيقول في تفسيره: "قوم اطمأنت قلوبهم بذكرهم الله، وفي الذكر وجدوا سلوتهم، وبالذكر وصلوا إلى صفوتهم، وقوم اطمأنت قلوبهم بذكر الله فذكرهم الله- سبحانه- بلطفه، وأثبت الطمأنينة في قلوبهم على وجه التخصيص لهم".[٨]

المراجع

  1. سورة الرعد، آية:28
  2. ابن القيم، تفسير القرآن الكريم، صفحة 337. بتصرّف.
  3. سورة الأنفال، آية:2
  4. أبو المظفر السمعاني (1997)، تفسير السمعاني (الطبعة 1)، الرياض:دار الوطن، صفحة 92، جزء 3. بتصرّف.
  5. سورة الزخرف، آية:44
  6. سورة الرعد، آية:27
  7. ابن عاشور (1984)، التحرير والتنوير، تونس:الدار التونسية للنشر، صفحة 137، جزء 13. بتصرّف.
  8. عبد الكريم القشيري، لطائف الإشارات (الطبعة 3)، مصر:الهيئة المصرية العامة للكتاب، صفحة 229، جزء 2.