لا بُدّ للذِّكر من شروط وآداب حتى يتِمّ على أفضل وجه؛ مثل: إخلاص النية لله -تعالى-، وحضور القلب، اللذان يُعدّان من أهمّ الشروط لقبوله، إضافة إلى غيرها من الشروط والآداب؛ ذلك أنّ الذكرعبادة شأنها عظيم عند الله -تعالى-، فهو من خير الأعمال وأَزكاها في التقرُّب إليه -تعالى-، كما أنّ له الأثر الكبير في رَفع الدرجات، ونيل رضاه، وهو دواء لقسوة القلب؛ إذ يملؤه سروراً، ويكسو الوجه نوراً؛ لقوله -تعالى-: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)،[١] والذكر من أفضلِ الأعمال، وهو حصنٌ منيع للمؤمن من الشيطان.[٢]
شروط الذكر وآدابه
لا بدّ للأذكار من شروطٍ وآداب تُضاف إلى حسنُ النِّية وحضورُ القلب؛ حتى تكون شرعيّة؛ فتؤدّي إلى تحلّي المسلم بالتقوى، وبالتالي تعلُّقه بالمَولى -عزّ وجلّ-، ونيل الثواب في الآخرة، ومن هذه الشروط والآداب ما يأتي:[٣]
- يخلص الذاكر الذِّكر لله -تعالى-؛ وهو الشرط الأوّل لقبول الأعمال؛ فكلّ عمل لا إخلاص فيه لا فائدة تُرجى منه؛ لقوله -تعالى-: (فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ).[٤]
- يكون الذاكرعلى طهارة؛ وهو أمر مُستحَبّ؛ لقول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنِّي كَرِهْتُ أنْ أَذكُرَ اللهَ عزَّ وجلَّ إلَّا على طُهْرٍ).[٥]
- لا يرفع الذاكر صوته بالذِّكر؛ لقوله -تعالى-: (وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ).[٦]
- يُكثر الذاكر من ذكرالله تعالى، لقوله تعالى: (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا).[٧]
- يستحضرالذاكرعظمة الله -تعالى- عند الذِّكر، وهو أمر مُستحَبّ؛ لقوله -تعالى-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ).[٨]
- يبدأ الذِّكرُ بتوحيد الله -سبحانه وتعالى-، كما فعل ذو النون؛ إذ قال الله -تعالى- على لسانه: (فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ).[٩]
- يبدأ الذِّكر بالثناء على الله -تعالى-، وتعظيمه، وتقديسه؛ كما في دعاء موسى -عليه السلام-: (أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۖ وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ).[١٠]
- يُستحَبّ للذِّكر أن يُصاحبه البكاء في الخلوة؛ فقد قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (عَينانِ لا تمسُّهما النَّارُ: عينٌ بَكَت من خشيةِ اللَّهِ، وعَينٌ باتت تحرُسُ في سبيلِ اللَّهِ).[١١]
- يُستحَبّ للذاكر أن يستقبل القِبلة، وأن يجلس في خشوع ووَقار.
- يُستحَبّ للذاكر إذا سَلّم عليه أحد أن يردَّ السلام ثمّ يعود إلى ذِكره، وإذا عطس عنده أحد أن يُشمّتَه ثمّ يعود إلى ذِكره، وإذا رأى مُنكراً أن يزيله.
- يُستَحبّ للذاكر أن يُطيّب فَمه بالسواك؛ لقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (السِّواكُ مطهرةٌ للفمِ مرضاةٌ للرَّبِّ).[١٢]
فضائل الذكر
للذِّكر العديد من الفضائل التي يجدر بالذاكر أن يعلمها؛ ليزداد نشاطاً فيه، ومنها أنّه:[١٣]
- يسبّب سرور القلب ويطمئنه، ويُذهب مخاوفه كلّها؛ لقوله -تعالى-: (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).[١٤]
- يؤدّي إلى ذِكر الله -عزّ وجلّ- للذاكر؛ لقوله -تعالى-: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ).[١٥]
- يُعدّ سبباً في إنعام الله -تعالى- على الذاكر إن كان ذِكره في خلوة خاشعاً متضرّعاً؛ وذلك بجعله في ظلّه يوم القيامة؛ لقول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ، يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ... ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ).[١٦]
- يؤدّي بالذاكر إلى نيل الرضا والراحة، وتحقيق الغاية التي شُرِعت من أجلها الأعمال؛ كالصوم، والصلاة، وغيرها؛ لقوله -تعالى-: (فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ۖ وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ).[١٧]
- يُفرّج ما اجتمع على الذاكر من الهموم، والأحزان، والذنوب، والخطايا
- يُستجاب به الدعاء، ويؤدّي إلى نيل الذاكر رضا الله -عزَّ وجل- ومغفرته له، وبالتالي دخول الجنّة.
- يُعدّ نوراً لصاحبهِ في الدُّنيا، ونوراً له في قَبره.
- يُستجلَب به الرزق، ويُستجاب الدعاء، وهو قوتُ القلوب، والأرواح؛ قال -تعالى-: "فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا".[١٨]
- يُعدّ سبباً في تنزُّل السكينة، والرحمة.
- يَشغلُ اللسان عن الغيبة، والنميمة، والكذب، والفُحش، والباطل.
- يُسهّل الصعابَ، ويُيسِّرها، ويُخفّف المَشاقَّ.
- يُعدّ سبباً في مباهاة الله -تعالى- ملائكته بالذاكرين؛ ففي الحديث الوارد: "إنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ خَرَجَ علَى حَلْقَةٍ مِن أَصْحَابِهِ، فَقالَ: ما أَجْلَسَكُمْ؟ قالوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ وَنَحْمَدُهُ علَى ما هَدَانَا لِلإِسْلَامِ، وَمَنَّ به عَلَيْنَا، قالَ: آللَّهِ ما أَجْلَسَكُمْ إلَّا ذَاكَ؟ قالوا: وَاللَّهِ ما أَجْلَسَنَا إلَّا ذَاكَ، قالَ: أَما إنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ، وَلَكِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ فأخْبَرَنِي، أنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي بكُمُ المَلَائِكَةَ".[١٩]
- يساعد الذاكر على طاعة الله- تعالى-، فيُحبِّبها له، ويُسهِّلُها عليه.
- يُفرّق الشياطين، ويُبعدها؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: "وإنَّ العبدَ أحصنُ ما يكون من الشيطانِ إذا كان في ذِكرِ اللهِ تعالى".[٢٠]
المراجع
- ↑ سورة الرعد، آية:28
- ↑ نايف عبوش (31/3/2019)، "أهمية الذكر في حياة المسلم"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 18/1/2021. بتصرّف.
- ↑ خالد الجهني (7/7/2018)، "آداب الذكر والدعاء"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 20/1/2021. بتصرّف.
- ↑ سورة غافر، آية:14
- ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن المهاجر بن قنفذ، الصفحة أو الرقم:17، صحيح.
- ↑ سورة الأعراف، آية:205
- ↑ سورة الأحزاب، آية:35
- ↑ سورة الأنفال، آية:2
- ↑ سورة الأنبياء، آية:87
- ↑ سورة الأعراف، آية:155
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:1639، صحيح.
- ↑ رواه المنذري، في الترغيب والترهيب، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1/133، صحيح.
- ↑ خالد الجهني (5/7/2018)، "فوائد ذكر الله تعالى"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 19/1/2021. بتصرّف.
- ↑ سورة الرعد، آية:28
- ↑ سورة البقرة، آية:152
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:660، صحيح.
- ↑ سورة طه، آية:130
- ↑ سورة نوح، آية:10-12
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:2701، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن الحارث بن الحارث الأشعري، الصفحة أو الرقم:1724، صحيح.