فضل التسبيح قبل النوم
كان التّسبيح قبل النّوم جزءاً من هدي النبي -صلى الله عليه وسلّم- في باب أذكار النوم، وقد صحّ في هذا الباب عدّة أحاديث،[١] وهذا المقال يستعرض أبرزها.
التسبيح قبل النوم وقاية من التعب
صح في الحديث عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: (أنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ شَكَتْ ما تَلْقَى مِن أثَرِ الرَّحَا، فأتَى النَّبيَّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- سَبْيٌ، فَانْطَلَقَتْ فَلَمْ تَجِدْهُ، فَوَجَدَتْ عَائِشَةَ فأخْبَرَتْهَا، فَلَمَّا جَاءَ النَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ بمَجِيءِ فَاطِمَةَ).[٢]
ويستكمل علي -رضي الله عنه- الرّواية فيقول: (فَجَاءَ النَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- إلَيْنَا وقدْ أخَذْنَا مَضَاجِعَنَا، فَذَهَبْتُ لِأقُومَ، فَقَالَ: علَى مَكَانِكُمَا. فَقَعَدَ بيْنَنَا حتَّى وجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ علَى صَدْرِي، وقَالَ: ألَا أُعَلِّمُكُما خَيْرًا ممَّا سَأَلْتُمَانِي؟ إذَا أخَذْتُما مَضَاجِعَكُما تُكَبِّرَا أرْبَعًا وثَلَاثِينَ، وتُسَبِّحَا ثَلَاثًا وثَلَاثِينَ، وتَحْمَدَا ثَلَاثًا وثَلَاثِينَ؛ فَهو خَيْرٌ لَكُما مِن خَادِمٍ).[٢]
يكشف الحديث الشريف أنّ وجه الخيرية في التّسبيح والتّكبير والتّحميد يكمن في أمور عدّة يحتملها المعنى:[١]
- يحتمل أنّ ذكر الله -تعالى- ومنه التّسبيح سببٌ في التّيسير على الذّاكرين والذّاكرات؛ فيهوّن الله -عزّ وجلّ- عليهم أمور حياتهم، ويخفّف عنهم مشاقّها.
- قد يكون وجه الخيرية في لفت الانتباه إلى أنّ الخادم ينفع صاحبه في الدنيا؛ بينما التّسبيح وذكْر الله -عزّ وجلّ- ينفع في الدار الباقية، وصدق الله إذ يقول: (وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ).[٣]
ويحتمل أنّ مقصود النبي الكريم بإرشاده لفاطمة -رضي الله عنها- بالذّكر قبل النّوم يُراد به الأمران، وهذا من واسع رحمة الله بعباده في الدّنيا والآخرة.
التّسبيح قبل النّوم يُثقّل ميزان العبد
صحّ في الحديث أنّ النبي -صلى الله عليه وسلّم- قال: (خصلتان، أو خلتان لا يحافظُ عليهما عبدٌ مسلمٌ إلا دخل الجنةَ، هما يسيرٌ، ومن يعملُ بهما قليلٌ، يسبِّحً في دُبُرِ كلِّ صلاةٍ عشْرًا، ويحمَدَ عشْرًا، ويكبِّرُ عشْرًا، فذلك خمسون ومائةٌ باللسانِ، وألفٌ وخمسمائةٍ في الميزانِ، ويكبِّرُ أربعًا وثلاثين إذا أخذ مضجعَه، ويحمَدُ ثلاثًا وثلاثين، ويسبِّحُ ثلاثًا وثلاثين، فذلك مائةٌ باللسانِ، وألفٌ في الميزانِ).[٤]
يقول عبدالله بن عمرو -رضي الله عنه-: "فلقد رأيتُ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يعقِدُها بيدِه، قالوا: يا رسولَ اللهِ، كيف هما يسيرٌ ومن يعملُ بهما قليلٌ؟ قال: (يأتي أحدَكم -يعني الشيطانَ- في منامِه فيُنَوِّمُه قبل أن يقولَه، ويأتيه في صلاتِه، فيُذَكِّرَه حاجةً قبلَ أن يقولَها).[٤]
في هذه الحديث يرشد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى التّسبيح وذكر الله عموماً قبل النّوم، وفي ذلك إشارة لا تخفى إلى استحباب أنْ يكون ذكر الله آخر عهد المسلم قبل نومه؛ فإنْ كانت نومته هذه آخر عهده في الدنيا مات على ذكر الله -سبحانه-، وهذا من حُسن الخاتمة.
وحُسن الخاتمة مطلب كلّ مؤمن، وتأكيداً على هذا المعنى صحّ في الحديث عن جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- أنّ النبي -صلى الله عليه وسلّم- قال: (يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ علَى ما ماتَ عليه).[٥]
كما يشير الحديث إلى عظيم فضل الله -سبحانه-؛ حيث يثيب عباده على العمل الصالح أكثر بكثير من التّعب فيه، كما ينبّه النبي الكريم إلى عداوة الشيطان للمسلم وصدّه له عن ذكر الله، وحرصه على تثبيطه عن الطاعات واكتساب الخيرات.[٦]
المراجع
- ^ أ ب راغب السرجاني (14/11/2014)، "سُنَّة التسبيح والحمد والتكبير عند النوم"، قصة الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 24/6/2023. بتصرّف.
- ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن علي بن ابي طالب، الصفحة أو الرقم:3705 ، صحيح.
- ↑ سورة الأعلى، آية:17
- ^ أ ب رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن عبدالله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:5065، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم:2878، صحيح.
- ↑ فريق الموقع، "شرح حديث: خصلتان أو خلتان لا يحافظ عليهما عبد مسلم إلا دخل الجنة"، الدرر السنية شروح الأحاديث، اطّلع عليه بتاريخ 24/6/2023. بتصرّف.