ما هو الذكر الحكيم؟

الذّكر الحكيم هو القرآن الكريم، مصداقاً لقوله -تعالى-: (ذَٰلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ)،[١] وللقرآن الكريم أسماء كثيرة وأوصاف عديدة ورد ذكرها في ثنايا الآيات الكريمة، وفي ذلك إشارة إلى شرف المسمَّى وكماله؛ فكما أنّ كثرة أَسماء الله الحسنى تدلّ على كمال جلاله وعظمته، وكثرة أَسماء النبى -صلى الله عليه وسلم- تدلّ على علّو مرتبته، وسموِّ درجته؛ فإنّ كثرة أَسماء القرآن تدلّ على شرفه وعظيم فضله.[٢]


ويجدر التّنبيه إلى أنّ اصطلاح "الذّكر الحكيم" لا يُقصد به ذكراً مخصوصاً أو دعاءً محدّداً، بل هو كما تمّ الإشارة يقصد به القرآن الكريم كلّه، وهو اسم من أسمائه المباركة، ومعلوم أنّ عدداً من آيات القرآن الكريم قد تضمّنت أدعية وأذكاراً على لسان الأنبياء -عليهم السلام- وعلى لسان الصّالحين من عباد الله، ويحسن بالمسلم أنْ يتلمّسها ويدعو الله -تعالى- بها.


أقوال المفسّرين في الآية

تضافرت أقوال أكثر أهل التفسير في معنى "الذّكر الحكيم" في الآية الكريمة (ذَٰلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ)،[١] على أنّه القرآن الكريم، ومن جملة هذه الأقوال ما يأتي:

  • نقل الطبري بسنده عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قوله: "الْقُرْآنُ الْحَكِيمُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي حِكْمَتِهِ".[٣]
  • يقول الواحدي: "والذكر الحكيم أَي: القرآن المحكم من الباطل، وقيل: الحكيم: الحاكم بمعنى المانع من الكفر والفساد".[٤]
  • يقول النّسفي: "والذكر الحكيم، القرآن، يعني: المحكم أو كأنه ينطق بالحكمة لكثرة حكمه"[٥]
  • يقول الطنطاوي: "الذِّكْرِ الْحَكِيمِ: القرآن المحكم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والمشتمل على الحكم التي من شأنها أنْ تهدى الناس إلى ما يسعدهم متى اتبعوها"[٦]


أسماء أخرى للقرآن الكريم

ذكر المولى -سبحانه- القرآن الكريم بأسماء عديدة وأوصاف مختلفة، وقد عدّها الفيروزآبدي بمائة اسم، ولكنّه جمع إليها أوصاف القرآن مع الأسماء،[٢] وذكر الماوردي أنّ الله -عزّ وجل- سمّى القرآن الكريم بأربعة أسماء، وهي على النّحو الآتي:[٧]

  • الأول: القرآن، قال الله -سبحانه-: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هذا الْقُرآنَ).[٨]
  • الثالث: الكتاب، قال الله -سبحانه-: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا).[٩]
  • الثاني: الفرقان، قال الله -سبحانه-: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا).[١٠]
  • الرابع: الذكر، قال الله -سبحانه-: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ).[١١]


وأوصاف القرآن التي ذكرها المولى -عزّ وجلّ- في القرآن الكريم كثيرة، منها على سبيل المثال -لا الحصر-: العظيم في قوله -تعالى-: (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ)،[١٢] والعزيز في قوله -تعالى-: (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ)،[١٣] والعليّ في قوله -تعالى-: (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ)،[١٤] والمجيد في قوله -تعالى-: (ق ۚ وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ)،[١٥]الشّفاء والهدى والرّحمة في قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ)،[١٦] وغير ذلك من الأوصاف التي تلفت الأنظار وتشدّ الانتباه، وتدعو كلّ قارئ لكتاب الله أنْ يقف عندها ويتدبّر دلالاتها.

المراجع

  1. ^ أ ب سورة آل عمران، آية:58
  2. ^ أ ب الفيروزآبادى، بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز، القاهرة:لجنة إحياء التراث الإسلامي، صفحة 88، جزء 1. بتصرّف.
  3. ابن جرير الطبري (2001)، تفسير الطبري جامع البيان (الطبعة 1)، صفحة 459، جزء 5.
  4. أبو الحسن الواحدي (1410)، الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (الطبعة 1)، دمشق:دار القلم، صفحة 213.
  5. أبو البركات النسفي (1998)، مدارك التنزيل وحقائق التأويل (الطبعة 1)، بيروت:دار الكلم الطيب، صفحة 260، جزء 1.
  6. محمد سيد طنطاوي (1997)، التفسير الوسيط (الطبعة 1)، القاهرة:دار نهضة مصر، صفحة 126، جزء 2.
  7. أبو الحسن الماوردي، النكت والعيون، لبنان:دار الكتب العلمية، صفحة 23، جزء 1. بتصرّف.
  8. سورة يوسف، آية:3
  9. سورة الكهف، آية:1
  10. سورة الفرقان، آية:1
  11. سورة الحجر، آية:9
  12. سورة الحجر، آية:87
  13. سورة فصلت، آية:41
  14. سورة الزخرف، آية:4
  15. سورة ق، آية:1
  16. سورة يونس، آية:57