حَثَّ الله -عزّ وجلّ، ونبيُّه الكريم -عليه الصلاة والسلام- المسلمينَ على الاستغفار لأنفسهم ولغيرهم؛[١] لِما له من فضائل عظيمة وفوائد كثيرة لعلّ من أهمّها دخول الجنّة والنظر إلى وجه الله الكريم؛ إذ قال -تعالى-: "لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ"؛ ويُراد بالحُسنى: الجنّة، أمّا الزيادة فهي النظر إلى وجه الله الكريم،[٢] وقال -صلّى الله عليه وسلّم-: "إن اللهَ – عز وجل – لَيَرْفَعُ الدرجةَ للعبدِ الصالحِ في الجنةِ، فيقولُ : يا رَبِّ ! أَنَّى لي هذه ؟ ! فيقولُ : باستغفارِ وَلَدِكَ لك"،[٣] كما أنّ الله -تعالى- جعل الاستغفار سبباً في مغفرة الذنوب والخطايا؛ إذ قال: "وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا"،[٤][١] وفي المقال الآتي بيان لفضائل الاستغفار.
مفهوم الاستغفار
يُعرَّف الاستغفار بأنّه: طلب المغفرة من الله -سبحانه وتعالى- في جميع الأحوال والأوقات؛ سواء بعد ارتكاب الذنوب، أو بعد أداء الطاعات؛ كأن يستغفر المسلم اللهَ -تعالى بعد أداء فريضة الصلاة، أو غيرها من الأوقات؛ قال -تعالى-: "فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً"،[٥] وهو يُعَدّ أحد أعظم أنواع الذِّكر إذا ما ارتبط قوله باللسان باستشعاره في القلب أيضاً،[٦][٧] وقد اختصّ الله -تعالى- باسم الغفور؛ لأنّه يستر ذنوب عباده، ويتجاوز عن سيّئاتهم، ولا يفضحهم.[٧]
فضل الاستغفار
يجب على المسلم أن يلتزم الاستغفار في حياته وأوقاته كلّها؛ لما له من فضائل عظيمة، من أبرزها:[٢]
- مغفرة الذنوب والخطايا والسيّئات؛ قال -تعالى-: "وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا".[٨]
- ثناء الله -سبحانه وتعالى- على المسلم المُستغفر في الملأ الأعلى؛ وهم صفوة الملائكة؛ إذ قال -عليه الصلاة والسلام- في الحديث القدسيّ عن ربّه -عزّ وجلّ-: "يقولُ اللَّهُ تَعالَى: أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي، وأنا معهُ إذا ذَكَرَنِي، فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وإنْ ذَكَرَنِي في مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ في مَلَإٍ خَيْرٍ منهمْ...".[٩]
- السكينة والطمأنينة والفوز بخيرَي الدُّنيا والآخرة؛ قال -تعالى-: "أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ"،[١٠] وقال -عليه الصلاة والسلام-: "طوبَى لِمَن وجَدَ في صَحيفَتِه استِغفارًا كثيرًا".[١١]
- زوال الهموم والغموم والكروب؛ قال -صلّى الله عليه وسلّم-: "منْ أكثرَ منَ الاستغفارِ، جعلَ اللهُ لهُ منْ كلِّ همِّ فرجًا، و منْ كلِّ ضيقٍ مخرجًا، و رزقَهُ منْ حيثِ لا يحتسبْ".[١٢]
- نزول المطر، والسَّعة في الأرزاق، واستجابة الدعاء؛ قال -تعالى-: "فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا*يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا*وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا".[١٣]
- قبول الأعمال الصالحة؛ قال -تعالى-: "رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ*رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ*فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ".[١٤]
- نيل القُرب من الله -تعالى-، والدلالة على شدّة تعلُّقه به -عزّ وجلّ-.[١٥]
- سبب في طهارة القلوب، وتحصيل السرور؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: "مَن أَحَبَّ أن تَسُرَّه صحيفتُه ، فَلْيُكْثِرْ فيها من الاستغفارِ".[١٦][١٧]
- صفة من صفات المُتّقين؛ قال -تعالى: "وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ*أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ".[١٨][١٩]
- نيل رحمة الله -عزّ وجلّ-؛ قال -تعالى-: "لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ".[٢٠][١٩]
- سنّة الأنبياء والرُّسُل، وسبيل الصالحين؛ فعلى سبيل المثال قال الله -تعالى- على لسان موسى -عليه السلام-: "قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ".[٢١][١٩]
- سبب في البُعد عن العذاب والنار، ورفع العقاب؛ قال -تعالى- : "وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ".[٢٢][١٩]
- كَسب الحسنات، وخاصّة إذا استغفر المسلم لغيره من المؤمنين؛ قال -صلّى الله عليه وسلّم-: "مَنِ استغفَرَ للمؤمنينَ وللمؤمناتِ ، كتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ مؤمِنٍ ومؤمنةٍ حسنةً".[٢٣]
المراجع
- ^ أ ب أمين بن عبدالله الشقاوي، الدُّرر المُنتقاة من الكلمات المُلقاة، صفحة 502. بتصرّف.
- ^ أ ب أبو الحسن هشام المحجوبي، ووديع الراضي (10/6/2014)، "استثمار العبد البار في الاستغفار"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 16/1/2021. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في مشكاة المصابيح، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2293، إسناده حسن.
- ↑ سورة النساء، آية:109
- ↑ سورة النصر، آية:3
- ↑ "الاستغفار...معناه وثمراته"، إسلام ويب، 20/11/2002، اطّلع عليه بتاريخ 16/1/2021. بتصرّف.
- ^ أ ب محمد مهدي بن نذير قشلان (11/11/2017)، "مناجم الأسرار في فضل الاستغفار"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 16/1/2021. بتصرّف.
- ↑ سورة الأحزاب، آية:35
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:7405، صحيح.
- ↑ سورة الرعد، آية:28
- ↑ رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن عبدالله بن بسر، الصفحة أو الرقم:3093، صحيح.
- ↑ رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم:8489، صحيح.
- ↑ سورة نوح، آية:10-12
- ↑ سورة آل عمران، آية:193-195
- ↑ سليمان العودة، شعاع من المحراب، صفحة 204. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن الزبير بن العوام، الصفحة أو الرقم:5955، صحيح.
- ↑ سليمان العودة، شعاع من المحراب، صفحة 205. بتصرّف.
- ↑ سورة آل عمران، آية:135-136
- ^ أ ب ت ث د.أحمد عرفة، "الاستغفار فضائله وفوائده"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 16/1/2021. بتصرّف.
- ↑ سورة النمل، آية:46
- ↑ سورة القصص، آية:16
- ↑ سورة الأنفال، آية:33
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عبادة بن الصامت، الصفحة أو الرقم:6026، حسن.