ذَكر جمهور العلماء أنّ الباقيات الصالحات هي قول: "سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله"؛ استدلالاً بما ورد عن أبي سعيد الخدريّ -رضي الله عنه- من أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: "( استكثِروا مِن الباقياتِ الصَّالحاتِ ) قيل : وما هنَّ يا رسولَ اللهِ ؟ قال : ( التَّكبيرُ والتَّهليلُ والتَّسبيحُ والحمدُ للهِ ولا حَوْلَ ولا قوَّةَ إلَّا باللهِ )"،[١] بالإضافة إلى عدّة أقوال أخرى في ماهيّة الباقيات الصالحات، والتي سيتمّ بيانها في المقال الآتي.
الباقيات الصالحات
ذكر الله -تعالى- الباقيات الصالحات في مُحكم كتابه العزيز في موضعَين اثنَين؛ قوله: "الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلا"،[٢] وقوله: "وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى ۗ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَّرَدًّا"،[٣] وقد وردت عدّة أقوال -كما تقدّم- في ماهيّة الباقيات الصالحات، وبيانها آتياً:[٤][٥][٦]
- جمهور العلماء ومنهم عطاء بن أبي رباح ومجاهد: قالوا إنّ الباقيات الصالحات هي قول: "سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله"؛ استدلالاً بالحديث الذي تمّ بيانه سابقاً، والذي ورد بروايات عديدة عن عائشة أم المؤمنين، وأبي هريرة، والنعمان بن بشير، وأبي الدرداء، وأبي سعيد الخدري -رضي اللهم عنهم أجمعين-.
- ابن عباس سعيد بن جُبير، وعمر بن شرحبيل وأبو ميسرة وعلي بن أبي طلحة: قالوا إنّ الباقيات الصالحة هي كلّ ما يُرضي الله -تعالى- من الأعمال الصالحة، وهي بهذا المعنى تتضمّن ذِكر الله -تعالى- بقول: "سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله"، والصلاة على النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، والاستغفار، والصلاة، والصيام، والحجّ، وصلة الأرحام، والصدقة، وغيرها، كما رُوي عن ابن زيد قوله: "{والباقيات الصالحات}: الأعمال الصالحة".
- الإمام مالك وابن العربي وغيرهما: قالوا إنّ الباقيات الصالحات هي الصلوات الخمس؛ إذ قال ابن العربي في كتابه أحكام القرآن: "وقالت جماعة هي الصلوات الخمس".
فضل الباقيات الصالحات
تتعلّق بالباقيات الصالحات عدّة فضائل؛ سواءً كان المقصود بها قول: "سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلّا بالله"، أو الصلوات الخمس؛ إذ إنّها جميعها تندرج تحت ما يُسمّى الأعمال الصالحة، ومن فضائل المداومة على الأعمال الصالحة ما يأتي:[٧]
- نيل محبّة الله -سبحانه وتعالى-؛ قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فيما يرويه عن الله -تعالى- في الحديث القدسيّ: "وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ".[٨]
- حُسن الخاتمة ودخول الجنّة التي وعد الله -تعالى- بها عباده المُتّقين؛ إذ قال -تعالى-: "إِنَّ الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ يَهديهِم رَبُّهُم بِإيمانِهِم تَجري مِن تَحتِهِمُ الأَنهارُ في جَنّاتِ النَّعيمِ"،[٩] وقال -عليه الصلاة والسلام: "إذا أرادَ اللهُ بعبدٍ خيرًا استعمَلَهُ قِيلَ : كيفَ يَستعمِلُهُ ؟ قال : يُوفِّقُهُ لعملٍ صالِحٍ قبلَ الموْتِ ثمَّ يَقبِضُهُ عليهِ".[١٠]
- العيش الرغيد والحياة الطيّبة في الدنيا والآخرة؛ قال -تعالى-: "مَن عَمِلَ صالِحًا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجزِيَنَّهُم أَجرَهُم بِأَحسَنِ ما كانوا يَعمَلونَ".[١١]
- تكفير الذنوب والسيّئات؛ قال -تعالى-: "وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ".[١٢]
- الرِّفعة في الدرجات؛ قال -صلّى الله عليه وسلّم-: "إنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ، فَتَعْمَلَ عَمَلًا تَبْتَغِي به وجْهَ اللَّهِ، إلَّا ازْدَدْتَ دَرَجَةً ورِفْعَةً".[١٣]
- تفريج الهموم، والغموم، والأزمات؛ قال -صلّى الله عليه وسلّم-: "يا غُلامُ إنِّي أعلِّمُكَ كلِماتٍ ، احفَظِ اللَّهَ يحفَظكَ ، احفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تجاهَكَ ، إذا سأَلتَ فاسألِ اللَّهَ ، وإذا استعَنتَ فاستَعِن باللَّهِ ، واعلَم أنَّ الأمَّةَ لو اجتَمعت علَى أن ينفَعوكَ بشَيءٍ لم يَنفعوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وإن اجتَمَعوا على أن يضرُّوكَ بشَيءٍ لم يَضرُّوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ عليكَ ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجفَّتِ الصُّحفُ".[١٤]
- طهارة القلب من النفاق؛ فهو أصل الجهد المبذول؛ قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: "الأعمال تتفاضل عند الله جل وعلا بتفاضل ما في القلوب لا بكثرتها وصورها"، وقد قال الله -تعالى-: "فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا".[١٥]
المراجع
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:840، أخرجه في صحيحه.
- ↑ سورة الكهف، آية:46
- ↑ سورة مريم، آية:76
- ↑ إسلام ويب (15/6/2011)، "والباقيات الصالحات خير"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 31/1/2021. بتصرّف.
- ↑ "ما هي الباقيات الصالحات"، الإسلام سؤال وجواب، 12/10/2001، اطّلع عليه بتاريخ 31/1/2021. بتصرّف.
- ↑ "معنى (الباقيات الصالحات)"، إسلام ويب، 8/9/2005، اطّلع عليه بتاريخ 31/1/2021. بتصرّف.
- ↑ محمد حسان، دروس للشيخ محمد حسان، صفحة 4-7. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:6502، صحيح.
- ↑ سورة يونس، آية:9
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:305، صحيح.
- ↑ سورة النحل، آية:97
- ↑ سورة محمد، آية:2
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن سعد بن أبي وقاص، الصفحة أو الرقم:6373، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم:2516، صحيح.
- ↑ سورة الكهف، آية:110