الاستغفار
يُعدّ الاستغفار من الأذكار التي كان الرسول -صلى الله عليه وسلّم- مداومًا عليها باستمرار، وهو مرتبط بكل حال، وهو طلب العبد للمغفرة من الله -تعالى-، وسَتر ذنوبه ومعاصيه وعيوبه وخطاياه في الدنيا، ومَحوها والتجاوزعنها بين يدَيه في الآخرة؛[١] وممّا يُمكّن العبد من التزام الاستغفار استشعاره عظمة الله -سبحانه وتعالى- ومقامه عند طلبه مرضاته ومغفرته،[٢] كما أنّ استغلال أوقات الانتظار التي كثيرًا ما يمرّ بها الإنسان يُسهِّل المُداومة عليه.
كيف ألزم الاستغفار؟
بواعث الاستغفار
مهما كثرت ذنوب المسلم ومعاصيه، فهناك دائمًا بواعث وأسباب تدعوه إلى الالتزام بالاستغفار؛ طلباً لمرضاة الله، وفي ما يأتي ذكر هذه البواعث:
- إجلال الله -تعالى-، واستشعار عظمته وهيبته، والخوف من عقابه وسخطه، وابتغاء مرضاته -عز وجل-؛ قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ)،[٣] فإقدام العبد على طلب المغفرة إذا أذنب أو أخطأ لا يكون إلا بمعرفته التامة بمَقام الله -سبحانه وتعالى-، وذِكره في قلبه دائمًا، ممّا يجعله لا يُقدِم على طلب المغفرة إلّا منه؛ فالله -تعالى- هو الوحيد القادر على أن يعفو عن عباده.[٤]
- المحبة الصادقة لله -تعالى-، والتي تجعل العبد ملتزمًا بأوامره، ومجتنبًا لكلّ ما يغضبه، وتزرع في قلبه ذِكره -عز وجل-، واستغفاره في كلّ وقت.[٥]
- تذكُّر الموت، والتأهُّب له دائمًا، والاستعداد للقاء الله -عزّ وجل-، والحذر من الآخرة، ممّا يجعل ذلك مُحفِّزًا للعبد لأداء الطاعات، والمداومة على الاستغفار خلال حياته؛[٦] قال تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ).[٧]
- إدراك أنّ الله -تعالى- يُعاقب العبد على المعاصي والذنوب إن لم يَتُب أو يستغفر منها، ومعرفة آثار هذا العقاب في الدُّنيا والآخرة؛ علماً أنّ النجاة من عقاب الله الشديد، ونيل العفو منه لا يكون إلا بالاستغفار والتوبة؛[٨] قال -تعالى-: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ).[٩]
- الثبات على الطاعة وعدم الخضوع للنفس الأمّارة بالسوء؛ وذلك بالاستمرار في طاعة الله -عز وجل-، والحرص على مرضاته، وتجنُّب وساوس الشيطان لارتكاب أيّ معصية ولو كانت شيئًا بسيطًا؛ لذا على الإنسان أن يجاهد نفسه بالذِّكر، وطلب العفو والمغفرة؛ إذ إنّها تصرف عن نفسه الذنوب والأفكار السيّئة.[١٠]
ثمرات الاستغفار
يُعدّ الاستغفار من أعظم الأذكار، ومن أجلّ العبادات والقُرُبات التي يتقرّب بها إلى الله -تعالى-، والتي ثبت الترغيب في الإكثار منها؛ لِما يترتّب عليها من مَحو للذنوب والمعاصي وتكفير للسيئات، وللثمرات القيّمة والكنوزالعديدة التي تعود على المسلم بالخير وتجعله مُداومًا عليها وملتزمًا بها، ومن هذه الثمرات أنّه:
- سبب لجَلب الرزق، وكثرة الولد، ونزول المطر؛[١١] قال -تعالى-: (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا*يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا*وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا).[١٢]
- سبب لنيل رضا الله -عز وجلّ- ومحبته؛[١٣] قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ).[١٤]
- سبب لأمان المستغفرين من عذاب الله في الدنيا وفي الآخرة؛ قال -تعالى-: (وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُون).[١٥]
- سبب لمَحو الذنوب، وتضاعُف الحَسَنات، ورَفع الدرجات يوم القيامة؛ قال تعالى: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا)،[١٦] وقال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "طُوبَى لِمَن وَجَد في صحيفته استغفارًا كثيرًا"،[١٧] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله عز وجل ليَرفَعُ الدرجةَ للعبد الصالح في الجنة، فيقول: يا رب، أنَّى لي هذه، فيقول: باستغفارِ ولدِك لك).[١٨]
- تفريج للهموم والأحزان، وانشراح للصدور، وتوسيع للأرزاق، وجَلب للخيرات؛[١٩]قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ لَزِمَ الاِسْتِغْفَارَ، جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجاً، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجاً، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ).[٢٠]
- سبب لقوّة البَدَن وصحّته؛[١١] قال -تعالى-: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ).[٢١]
صِيغ الاستغفار
من صِيغ الاستغفار في القرآن الكريم
- (ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾.[٢٢]
- ﴿ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.[٢٣]
- ﴿ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ*رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ*رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ﴾.[٢٤]
- ﴿ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ﴾.[٢٥]
- ﴿ وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ﴾.[٢٦]
- ﴿ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.[٢٧]
من صِيغ الاستغفار في السنة النبوية الشريفة
- (اللَّهُمَّ أنْتَ رَبِّي، لا إلَهَ إلَّا أنْتَ، خَلَقْتَنِي وأنا عَبْدُكَ، وأنا علَى عَهْدِكَ ووَعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ، أبُوءُ لكَ بنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وأَبُوءُ لكَ بذَنْبِي فاغْفِرْ لِي، فإنَّه لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أنْتَ، أعُوذُ بكَ مِن شَرِّ ما صَنَعْتُ)، وهو سيّد الاستغفار.[٢٨]
- (أَستغفِر اللهَ الذي لا إلَهَ إلا هوَ الحَي القَيوم وَأَتوب إلَيه).[٢٩]
- (اللَّهمَّ اغفِرْ لي ما قدَّمْتُ وما أخَّرْتُ وما أسرَرْتُ وما أعلَنْتُ وما أسرَفْتُ وما أنتَ أعلَمُ به منِّي أنتَ المُقدِّمُ وأنتَ المُؤخِّرُ لا إلهَ إلَّا أنتَ).[٣٠]
المراجع
- ↑ أبو الحسن هشام المحجوبي ووديع الراضي (3/9/2015)، "معنى الاستغفار"، الألوكة الشرعية، اطّلع عليه بتاريخ 7/2/2021. بتصرّف.
- ↑ حاتم رجا محمود عودة، الاستغفار في الكتاب والسنة، صفحة 112-114. بتصرّف.
- ↑ سورة آل عمران، آية:135
- ↑ حاتم رجا محمود عودة ، الاستغفار في الكتاب والسنة، صفحة 112-114. بتصرّف.
- ↑ الدكتور عبدالرزاق بن عبدالمحسن البدر، بواعث الخلاص من الذنوب، صفحة 11. بتصرّف.
- ↑ الشيخ محمد صالح المنجد (19/6/2017)، "الخوف من الموت : خيرُه وشرُّه ، وهل يُدعى بطول العمر ؟"، الاسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 7/2/2021. بتصرّف.
- ↑ سورة آل عمران، آية:133
- ↑ حاتم رجا محمد عودة، الاستغفار في الكتاب والسنة، صفحة 119-121. بتصرّف.
- ↑ سورة الشورى ، آية:30
- ↑ الشيخ موافي عزب (29/4/2008)، "مجاهدة النفس الأمارة بالسوء.. والثبات على الطاعة"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 7/2/2021. بتصرّف.
- ^ أ ب أبو حاتم سعيد القاضي (11/10/2021)، "عشر ثمار لمن لزم الاستغفار "، طريق الاسلام ، اطّلع عليه بتاريخ 2/2/2021. بتصرّف.
- ↑ سورة نوح، آية:10-12
- ↑ عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي (19/2/2019)، "الاستغفار: أهميته وفوائده وأوقاته وصيغه"، الالوكة، اطّلع عليه بتاريخ 2/2/2021. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية:222
- ↑ سورة الأنفال، آية:33
- ↑ سورة النساء، آية:110
- ↑ رواه الدمياطي، في المتجر الرابح، عن عبدالله بن بسر، الصفحة أو الرقم:243، اسناده صحيح.
- ↑ رواه الهيثمي، في مجمع الزوائد، عن ابي هريرة، الصفحة أو الرقم:10213، صحيح.
- ↑ محمد مهدي بن نذير قشلان (11/11/2017)، "مناجم الأسرار في فضل الاستغفار"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 2/2/2021. بتصرّف.
- ↑ رواه ابن باز، في مجموع فتاوى ابن باز، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم:1011، صحيح.
- ↑ سورة هود، آية:52
- ↑ سورة آل عمران، آية:127
- ↑ سورة آل عمران، آية:16
- ↑ سورة آل عمران، آية:191-193
- ↑ سورة المؤمنون، آية:109
- ↑ سورة المؤمنون، آية:118
- ↑ سورة التحريم، آية:8
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن شداد بن أوس، الصفحة أو الرقم:6323، صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، الصفحة أو الرقم:1517، صحيح.
- ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم:2025، أخرجه في صحيحه.